.
4- أن الله جعله بدلاً عن الهدي لمن وجب عليه الهدي ولا يستطيع أن يهدي([7]) :
قال تعالى في تتمة الآية السابقة: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [البقرة:196].
قال القرطبي: "{فَمَن لَّمْ يَجِدْ} يعني الهدي، إما لعدم المال أو لعدم الحيوان صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده"([8]).
5- أن الله جعله بدلاً عن كفارة اليمين عند العجز عنها ([9]):
قال تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89].
قال ابن جرير: " يقول تعالى ذكره {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} لكفارة يمينه التي لزمه تكفيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به على ما فرضنا عليه وأوجبناه في كتابنا وعلى لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم {فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ} يقول: فعليه صيام ثلاثة أيام " ([10]).
6- أن الله جعله بدلاً عن العتق في كفارات القتل والظهار والوقاع في نهار رمضان([11]):
يقول تعالى في كفارة القتل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}
[النساء: 92].
قال ابن كثير: "أي هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين"([12]).
وقال الله عز وجل بشأن كفارة الظهار: {وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3، 4].
قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحررها فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا"([13]).
وأما في كفارة الوقاع في نهار رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: مالك ؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (( هل تجد رقبة تعتقها؟)) قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)) قال: لا، قال: ((فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟)) قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بِعِرْق فيها تمر - والعرق: المكتل - قال: ((أين السائل؟)) فقال: أنا، قال: ((خذ هذا فتصدق به)) فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها – يريد الحرتين – أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: ((أطعمه أهلك)) ([14]).
قال ابن حجر في بيان الحكمة من هذه الخصال في الكفارة: " وأما الصيام فمناسبته ظاهرة؛ لأنه كالمقاصّة بجنس الجناية، وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوماً كان كمن أفسد الشهر كله، من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع، فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المناقضة لنقيض قصده " ([15]).
7- الصيام جنة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) ([16]).
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((الصيام جُنّة من النار، كجُنّة أحدكم من القتال))([17]).
قال ابن عبد البر: "والجُنّة: الوقاية والستر من النار، وحسبك بهذا فضلاً
للصائم" ([18]).